السبت، 12 سبتمبر 2015

بيان حال الزيادة في دعاء الامام الحسين (ع) في يوم عرفة

بسم الله الرحمن الرحيم



هذه رسالة في التعليق على الزيادة الوارده في ذيل دعاء عرفة المنسوب للإمام الحسين عليه السلام


وتحتوي على مقدمة في بيان مصادر هذا الدعاء 
بيان الملاحظات والفروقات بين هذه المصادر في بداية الدعاء والكلام على النهاية والزيادة  
خاتمة في أصل هذه الزيادة ومصدرها 


مقدمة :
أقدم مصدر وصلتُ إليه لهذا الدعاء هو كتب السيد إبن طاووس رضي الله عنه المتوفى سنة 664 هــ
وقد أخرج هذا الدعاء في مصدرين من كتبه الأول مصباح الزائر والثاني إقبال الأعمال 
ثم الشيخ الكفعمي رضوان الله عليه والمتوفى في 905 هــ في كتابه البلد الأمين 
وقد أورده العلامة المجلسي قدس سره والمتوفى سنة 1111 هــ في بحار الأنوار وزاد المعاد
وأورده الشيخ خضر بن شلال رضوان الله عليه والمتوفى في 1255 في كتابه أبواب الجنان
وأيضا الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه والمتوفى في 1359 هــ في كتابه مفاتيح الجنان 
وفي المتأخرين كثر نقلوا الدعاء وفي من ذكرنا كفاية
هذه أقدم وأهم الأمهات والمصادر التي نقلت الدعاء 
ويجب أن يُعلم أن هذه المصادر لم تتفق في طريقة إيراد الدعاء , فبعضها إقتصر على متن الدعاء فقط وبعضها أورد الخبر الذي إشتمل على هذا الدعاء ورواته وها أنا أنقل عن المصادر على حسب الترتيب الزمني , وحتى يكون القارئ على إحاطة وعلم بحيثيات البحث   



قال الشيخ الكفعمي في حاشية كتابه البلد الأمين 352 عند نقل الدعاء
( وذكر السيد الحسيب النسيب رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه في كتاب مصباح الزائر قال : روى بشر وبشير الأسديان أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام خرج عشية عرفة يومئذ من فسطاطه متذللا خاشعا فجعل عليه السلام يمشي هونا هونا حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل ، مستقبل البيت ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ثم قال : " الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع " اه ) عنه بحار الأنوار 95/214 وكذا اورده عن المصباح مباشرة الميرزا الطبرسي قدس سره في مستدرك وسائل الشيعة 10/22 

أما بخصوص كتاب إقبال الأعمال فإن السيد إبتدأ في ذكر الدعاء بقوله ( من الدعوات المشرفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليه : الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ، ولا لعطائه مانع ، ولا كصنعه صنع صانع .. الى أخر الدعاء ) 2/74
فلم يذكر ما ذكره في مصباح الزائر من مقدمة إختصاراً كما هو ظاهر


- أما الشيخ الكفعمي فقال في البلد الأمين 
( ثم ادع بدعاء الحسين ( ع ) وهو الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع .. الدعاء ) 251
وقد أورد مقدمة الخبر نقلا عن السيد ابن طاووس في الحاشية ولكن يظهر أنه ينقل الدعاء بملاحظة مصدر آخر لأننا سننقل عنه زيادة في خاتمة الخبر ليست في مصباح الزائر للسيد 


- أما العلامة المجلسي قدس سره فأورد الدعاء في بحار الأنوار 95/216 نقلا عن إقبال الأعمال ومن ثم أشار إلى فرق بينه بين مصباح الزائر والبلد الأمين ولكنه نقله في زاد المعاد 173 كما يبدو عن مصباح الزائر أو البلد الأمين حيث أورد مقدمة الدعاء 

- أما الشيخ خضر بن شلال رضي الله عنه فأخرجه كما يبدو نقلا عن مصباح الزائر حيث أورد المقدمة ايضا ولم يشر إلى ذلك 

- وأما الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه فقد أورد الدعاء كذلك بمقدمته 355 

ومع الشيخ عباس القمي نبتدئ الحديث عن خاتمة الدعاء حيث قال 
( .. أسأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ , لَكَ المُلْكُ وَلَكَ الحَمْدُ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ قَدِيرٌ يا رَبِّ يا رَبِّ . وكان يكرر قوله : يا رَبِّ ، وشغل من حضر ممن كان حوله عن الدعاء لأنفسهم وأقبلوا على الاستماع له والتأمين على دعائه ثم علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشمس وأفاض الناس معه . 
أقول : إلى هنا تم دعاء الحسين ( عليه السلام ) في يوم عرفة على ما أورده الكفعمي في كتاب ( البلد الأمين ) وقد تبعه المجلسي في كتاب ( زاد المعاد ) ولكن زاد السيد ابن طاووس ( رض ) في ( الاقبال ) بعد : يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ هذه الزيادة : [ إِلهِي أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِيِ إِلهِي أَنا الجاهِلُ فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي إِلهِي إِنَّ اخْتِلافَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ طَواءِ مَقادِيرِكَ مَنَعاً عِبادَكَ العارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلى عَطاءٍ وَاليَّأْسِ مِنْكَ فِي بَلاٍ ، إِلهِي مِنِّي ما يَلِيقُ بِلُؤْمِي وَمِنْكَ ما يَلِيقُ بِكَرَمِكَ ، إِلهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي أَفَتَمْنَعُنِي مِنْهُما بَعْدَ وَجُودِ ضَعْفِي ... إلى آخر الزيادة ) 367

وقلت أنا : الذي في سفينة البحار ( 6/220 ) للشيخ القمي رضي الله عنه أنه مطلع على كلام المجلسي الذي سوف نورده عن الزيادة وعليه يبدو انه لم يكن مطلعا عليه عندما ذكر ما ذكره من كلامه في المفاتيح وإلا لكان أورد ما يجيب به عن كلام المجلسي إن كان يذهب إلى خلافه سواء في المفاتيح أو سفينة البحار


أما في مصباح الزائر فنهاية الدعاء والخبر كما نقله الميرزا الطبرسي رحمه الله في مستدرك الوسائل 10/25 
( وفي مصباح الزائر : عن بشر وبشير - في المتقدم - قالا : ثم دعا ( عليه السلام ) فقال : . الحمد الله الذي ليس لقضائه دافع - إلى أن قالا - ثم إنه ( عليه السلام ) اندفع في المسألة ، واجتهد في الدعاء وعيناه تقطران دموعا ثم قال : . اللهم اجعلني أخشاك . - إلى أن قالا - ثم رفع ( عليه السلام ) صوته وبصره إلى السماء ، وعيناه قاطرتان كأنهما مزادتان ، وقال ( عليه السلام ) بأعلى صوته : يا أسمع السامعين - الدعاء إلى قوله - على كل شئ قدير ، يا رب يا رب .
قال ورواه الشيخ إبراهيم الكفعمي في البلد الأمين مثله ، وزاد : قال بشر وبشير : فلم يكن له جهد إلا قوله : يا رب يا رب بعد هذا الدعاء ، وشغل من حضر ممن كان حوله ، وشهد ذلك المحضر عن الدعاء لأنفسهم ، واقبلوا على الاستماع له ، والتأمين على دعائه قد اقتصروا على ذلك لأنفسهم ، ثم علت أصواتهم بالبكاء معه ، وغربت الشمس ، وأفاض ( عليه السلام ) وأفاض الناس معه ) انتهى 

وهذه الزيادة هي التي جعلتنا نقول أن الكفعمي ينقل عن مصدر غير مصباح الزائر للسيد وهذه التتمة نقلها أيضا الشيخ عباس واشار إلى أن الدعاء عندهما إنتهى عند قوله يا رب يا رب
وهنا عرفنا الخاتمه في نقل السيد في مصباحه والكفعمي في البلد الأمين 


أما الشيخ إبن شلال فقد ختم الدعاء بقوله ( .. يا رب يا رب , ثم يكررها كثيرا ويرفع بها صوته وهو يبكي ) وهو ظاهر في أنه نقل بالمعنى , ثم قال ( وقال بعض المعتمدين قد وجدت زيادة على هذا الدعاء وهي : الهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري ... إلى أخر الزيادة )
وهذا تقرير منه أولا بنهاية الدعاء , وأن الفقرة التالية هي زيادة عليه ثانيا


أما العلامة المجلسي قدس سره فقد نقلنا أنه أورد الدعاء في زاد المعاد نقلا عن الكفعمي وإنتهى فيه بمثل ما إنتهى وفي البحار نقل الدعاء عن إقبال الأعمال ولكنه أورد بعده 95/227 تحقيقا مختصرا شيقا قال فيه 
( أقول : قد أورد الكفعمي - ره - أيضا هذا الدعاء في البلد الأمين وابن طاوس في مصباح الزائر كما سبق ذكرهما ، ولكن ليس في آخره فيهما بقدر ورق تقريبا وهو من قوله " إلهي أنا الفقير في غناي " إلى آخر هذا الدعاء ، وكذا لم يوجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من الاقبال أيضا ، وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين أيضا وإنما هي على وفق مذاق الصوفية ، ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفية ومن إلحاقاته وإدخالاته .
وبالجملة هذه الزيادة إما وقعت من بعضهم ، أولا في بعض الكتب ، وأخذ ابن طاووس عنه في الاقبال غفلة عن حقيقة الحال ، أو وقعت ثانيا من بعضهم في نفس كتاب الاقبال ، ولعل الثاني أظهر على ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة ، وفي مصباح الزائر ، والله أعلم بحقايق الأحوال ) إنتهى 

قلت : بل الذي لا شك فيه أنها زيادة على إحدى نسخ كتاب الإقبال فليست هي من أصل الدعاء بدلالة ختمه بقول الإمام عليه السلام مكررا يا رب يا رب عند الجميع حتى النسخ العتيقة من الإقبال وبدلالة أن المصادر التي أوردت الخبر كاملا إشتملت على نهاية تكشف أن الدعاء قد إكتمل ولم ينقص منه شيء بعد تكرار المناجاة من الإمام عليه السلام 
ولأننا عرفنا مصدر هذه الزيادة وأصلها 

• يلاحظ في تسلسل الدعاء الأصل انه يختتم في التعرض للطلب بعد أن إبتدأ في التسبيح والذكر فلا يناسب ان يعود للتسبيح والابتهال والتمجيد كما وأن هذه الزيادة لا تتناسب مع لغة الدعاء الأصل لا أقل من عدم إشتمالها على ذكر الصلاة على محمد واله بينما الأصل أوردها 6 مرات
دليل كلام العلامة المجلسي بأن الزيادة وفق مذاق الصوفية أنها مشتملة على مصطلحاتهم فخذ على سبيل المثال قوله (وَاسْلُكَ بِي مَسْلَكَ أَهْلِ الجَذْبِ ) ومسلك أهل الجذب هو " تقريب العبد بمقتضى العناية الإلهية المهيئة له كل ما يحتاج إليه في طي المنازل إلى الحق بلا كلفة وسعي منه " معجم إصطلاحات الصوفية للكاشاني




أما عن أصل هذه الزيادة ومصدرها 
فهي مناجاة للعارف الصوفي تاج الدين احمد بن محمد بن عطاء الله السكندري المتوفى عام 709 هــ قد أوردها في خاتمة كتابه الحكم الإلهية ثابتة النسبة له منذ عصره ومشهورة وعليها الشروح من قبل أتباعه ومريديه وأقدم شرح بين يدي عليها هو شرح العارف الصوفي محمد بن إبراهيم النفري المتوفى 792 هـ في غيث المواهب العليه شرح الحكم العطائية وأيضا شرح العارف الصوفي احمد الفاسي الشهير بزروق المتوفى 899 هـ 
فهي ليست مجهولة المصدر وليست مغمورة الذكر والمعرفة 
والذي أعلمه بحسب تتبعي أن أقدم مصدر مستقل نسب هذه الزيادة لدعاء عرفة هو الفيض الكاشاني المتوفى 1091 هـ في شروح الوافي 1/488 – 4/63 وفي المحجة البيضاء 8/36 وليس قبله من شواهد 


وبهذا يتلخص لدينا الآتي 
أقدم المصادر لدعاء عرفة لا تتضمن هذه الزيادة ( مصباح الزائر والنسخ العتيقة من إقبال الأعمال والبلد الأمين للكفعمي )

مصدر دخول هذه الزيادة إلى دعاء عرفة هو إحدى نسخ كتاب إقبال الأعمال قد دست فيه هذه الزيادة 

أقدم مصدر مستقل عن كتب الأدعية ينسب هذه الزيادة إلى دعاء عرفة إستنادا إلى هذه النسخة هو الفيض وهو متأخر عن إبن عطاء السكندري 382 سنة 

إتضح لدينا أن سياق الدعاء بالروايات قد تم عند تكرار الإمام للمناجاة بقوله يا رب يا رب فالزيادة غير متلائمه مع هذه الخاتمه  

إعتراضات وإشكالات عابرة
1. فإن قيل لم لا يكون إبن عطاء السكندري قد سرقها من نسخة الإقبال , قلنا فإنه يلزم من هذا أن نقول أيضا أن هناك من عبث بكل نسخ الإقبال الأخرى ومصباح الزائر فحذف هذه الفقرة من الدعاء وهذا ظاهر البطلان 

2. وإن قال قائل مسألة وجود الزيادات واردة وليس كل زيادة هي دس فرب حديث تجده عند الكافي وفي التهذيب زياده عليه , قلت إن الدعاء قد جاء بخاتمة والنسخ المتنوعه اتفقت على نهايته بقول المعصوم عليه السلام ( يا رب يا رب ) فالحالة المذكورة تتعلق بالفرق بين ما ورد في نسخ الإقبال العتيقة التي إنتهت بقول الإمام عليه السلام "يا رب" وبين مصباح الزائر الذي أورد تتمة الخبر بإنصراف الإمام والحجاج , لا أن ترد زيادة هي بحجم ثلث أو ربع الدعاء الأصل ونقول أنها زيادة في مصدر آخر

3. وإن قيل سلمنا بأن الزيادة ليست من أصل الدعاء لكن العلماء قالوا وزاد إبن طاووس , والمعهود عن السيد إبن طاووس أنه قد ألف بعض الأدعية في كتبه , فلما لا يقال بأن هذه الزيادة من تأليف السيد , قلنا إن هذا الظن ناشئ عن غفلة وعدم دراية في طبيعة هذه الزيادة فإنها وكما في النسخة المضافة أتت ملتحمة بالدعاء هكذا    ( وأنت على كل شئ قدير ، يا رب يا رب إلهي أنا الفقير في غناي ، فكيف لا أكون فقيرا في فقري .. إلى آخر الزيادة ) وهذا الإستهلال في الزيادة يتضارب مع هذه الخاتمة 

كما وأن تأليف السيد للأدعية لم يكن بطريقة الإدراج والإلحاق والزيادة على أدعية المعصومين عليهم السلام , كلا وحاشاه عن ذلك , بل إن السيد يقوم بتمييز أدعيته بالتعليق عليها ويعنون لها كما في مهج الدعوات وغيره فهذا القول ناتج عن عدم دراية في منهج السيد في كتبه وعنايته في الرواية والنقل , بل عن خيال وتخرص



هذا آخر ما اردت تسطيره في هذه الرسالة راجيا من الله العلي القدير أن ينفعنا بها والمؤمنين
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين



كتبه العبد الضعيف : يسار عوض الهندال - ابو ياسين
28 ذو القعدة 1436 -  12/9/2015

هناك تعليقان (2):