الأربعاء، 16 مايو 2012

ليلة الرغائب صلاتها وصيامها بين الرغبة فيها والرغبة عنها



( ليلة الرغـائـب , صلاتها وصيامها )

بين الرغبة فيها والرغبة عنها

هذه رسالة مختصرة في صلاة الرغائب حثني على كتابتها أحد الأخوة الأكارم
 قبل دخول شهر رجب المرجب , وأنا ذا أمتثل لرغبته فأنقل الأقوال فيها وأبدأ بذكر روايتها وتاريخها ومصدرها الأول وكيفية دخولها لتراث أتباع أهل البيت عليهم السلام على نحو من الإختصار والإقتضاب ومن خلال ذلك تتضح الرؤية جلياً بخصوصها من حيث الرغبة فيها أو عنها واللـه ولي التوفيق .

متن الرواية :
ورد في إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس رحمه اللـه ت 664 هـ
( وجدنا ذلك في كتب العبادات مرويا عن النبي صلى اللـه عليه وآله ، ونقلته أنا من بعض كتب اصحابنا رحمهم اللـه فقال في جملة الحديث عن النبي صلى اللـه عليه وآله في ذكر فضل شهر رجب ما هذ لفظه :
ولكن لا تغفلوا عن اول ليلة جمعة منه ، فانها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب ، وذلك انه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السماوات والأرض الا يجتمعون في الكعبة وحواليها ، ويطلع اللـه عليهم اطلاعة فيقول لهم : يا ملائكتي سلوني ما شئتم ، فيقولون : ربنا حاجتنا اليك ان تغفر لصوام رجب ، فيقول اللـه تبارك وتعالى : قد فعلت ذلك . ثم قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله : ما من احد صام يوم الخميس اول خميس من رجب ثم يصلى بين العشاء والعتمة اثنتى عشرة ركعة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة و ( انا انزلناه في ليلة القدر ) ثلاث مرات ، و ( قل هو اللـه احد ) اثنتي عشرة مرة فإذا فرغ من صلاته صلى علي سبعين مرة ، يقول : اللـهم صل على محمد النبي الامي وعلى آله ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ثم يرفع رأسه ويقول : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت العلي الاعظم . ثم يسجد سجدة اخرى فيقول فيها مثل ما قال في السجدة الاولى ، ثم يسأل اللـه حاجته في سجوده ، فانه تقضى ان شاء اللـه تعالى . ثم قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله : والذي نفسي بيده لا يصلي عبد أو أمة هذه الصلاة الا غفر اللـه له جميعا ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر وعدد الرمل ووزن الجبال وعد ورق الاشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من اهل بيته ممن قد استوجب النار ، فإذا كان اول ليلة نزوله الى قبره بعث اللـه إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق ، فيقول : يا حبيبي ابشر فقد نجوت من كل شدة ، فيقول : من انت فما رأيت احسن وجها منك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك ؟ فيقول : يا حبيبي أنا ثواب تلك الصلاة التي صليتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا ، جئت الليلة لأقضي حقك وآنس وحدتك وارفع عنك وحشتك فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك وانك لن تعدم الخير من مولاك ابدا )

الفصل العاشر من الباب الثامن ما يخص شهر رجب من إقبال الأعمال .



تاريخ الرواية ومصدرها الأول :
قال الفتني ت986 هـ في تذكرة الموضوعات ( قال علي بن إبراهيم حدثت صلاة الرغائب بعد المائة الرابعة والثمانين سنة ) 1 / 44


 وأقدم من وجدته قد أثبتها  في الكتب هو الإمام الغزالي الشافعي الأشعري ت 505 هـ  في كتابه إحياء علوم الدين حيث قال: ( فهذه صلاة مستحبة وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها ) 1 – 394

ثم إن جميع من تلا الغزالي نسبها لرزين بن معاوية السرقسطي ت 535 هـ  حتى قال الحافظ العراقي ت 806 هـ في تخريجه لأحاديث الإحياء للغزالي قال ( أورده رزين في كتابه وهو حديث موضوع ) هامش المصدرالسابق

وسبقه في ذلك إبن الإثير ت 606 هـ فقال في كتابه جامع الأصول ( هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين ولم أجده في أحد من الكتب الستة والحديث مطعون فيه ) 1 / 4321

والإسناد المروي لهذه الرواية أخرجه الإمام إبن الجوزي ت 597 هـ  في كتاب الموضوعات فقال ( هذا حديث موضوع على رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون ، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم ) 2 / 125 

وزاد الحافظ الذهبي ت 748 هـ في تلخيصه لكتاب الموضوعات فقال ( بل لعلهم لم يخلقوا ) 1 / 185
إشارة إلى وضع الإسناد والمتن معاً

فأول من عرفها هم أهل القدس وأقدم من نقل عنه الإشارة إليها هو الغزالي والمؤرخ لسنة المعرفة بها 480 هـ في رواية مطعون فيها مجهولون رواتها

أقدم المصادر الشيعية في ذكر الرواية :
قدمنا الرواية عن السيد ابن طاووس ت 664 هـ  في كتابه إقبال الأعمال وهو أقدم مصدر عندنا نقلها وقد قال ( وجدنا ذلك في كتب العبادات مرويا عن النبي صلى اللـه عليه وآله ، ونقلته أنا من بعض كتب اصحابنا رحمهم اللـه ) فإعلم أن للسيد ابن طاووس عناية خاصة في الإسناد ولو أنه وجدها مسندة بالرجال لنقل الإسناد لتقويتها فالظاهر أنه وجدها هكذا مرسلة

وقد قام تلميذه العلامة الحلي الحسن بن يوسف المطهر ت 726 هـ بنقل الرواية في إجازته الكبيرة في الرواية لبني زُهرة بالإسناد حيث قال ( ومن ذلك ذكر صلاة الرغائب روى صفتها الحسن بن الدربي ، عن الحاج الصالح مسعود بن محمد بن أبي الفضل الرازي المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان قرأها عليه في محرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة قال: اخبرني الشيخ زين الدين ضياء الاسلام أبو الحسن علي بن عبد الجليل العياضي الرازي ببلد الري في أول شهر رجب من سنة أربع وأربعين وخمسمائة قال: اخبرني شرف الدين المنتجب بن الحسن بن علي الحسني قال: اخبرني سديد الدين أبو الحسن علي بن الحسن الجاسبي قال: أخبرنا المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الخزاعي بالري قال: حدثنا أبو عبد اللـه الحسين بن علي ، عن الحاج سموسم  قال: حدثنا أبو الفتح بن رجاء بن عبد الواحد الأصفهاني قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن راشد بندار الشيرازي قال: حدثنا أبو الحسن الهمداني  قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد البصري قال: حدثني أبي قال: حدثني خلف بن عبد اللـه الصنعاني قال: حدثني حميد الطوسي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم: .... وذكر الرواية )

بحار الأنوار جزء الإجازات 104 / 123 – 126

وهو يلتقي مع إسناد ابن الجوزي بعلي بن محمد البصري بنفس الإسناد ودون الحاجة لتفحص رجاله فهو إسناد سني وعلماء السنة يجهلون رجاله فضلا عن أحوالهم من الوثاقة , فكيف بعلماء الرجال الشيعة الأغراب عنهم .



كيفية دخولها لتراث أتباع أهل البيت :
لن تجد لهذه الصلاة أي أثر عند سلف علماء الشيعة الأوائل كالكليني ت 329 هـ والصدوقين الاول ت 392 هـ والثاني ت 381 هـ والمفيد ت 413 هـ وابو الصلاح الحلبي ت 447 هـ أو اوشيخ الطائفة الطوسي ت 460 هـ و وإبن براج ت 481 هـ وإبن حمزة الطوسي ت 560 هـ وإبن إدريس الحلي ت 598 هـ والمحقق الحلي ت 676 هـ ولا العلامة الحلي ت 726 هـ مع أنه قد روى هذه الصلاة في الإجازة لبني زهرة كما تقدم

فهي مما أدخل على تراث المذهب من المصادر الأجنبية عنه وقد إنتشرت في المصنفات والكتب عن طريق كتاب إقبال الأعمال دخلت الرواية في كتب الدعاء ككتابي المصباح والبلد الأمين للكفعمي ت 905 هـ , والمتأخرين كالشيخ عباس القمي ومن أتى بعده

وكذلك دخلت في كتب الرواية والحديث عن طريق إجازة العلامة الحلي إلى أمثال وسائل الشيعة للحر العاملي ت 1104 هـ وبحار الأنوار للعلامة المجلسي  ت 1111 هـ وجامع أحاديث الشيعة وموسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام 

والسبب الأول هو محاولة الجمع والعمل الموسوعي .

وأيضا قد تسللت إلى كتب الفقه كما في سداد العباد للشيخ حسين آل عصفور البحراني 1216 هـ , وكلمة التقوى للشيخ محمد امين زين الدين 1419 هـ 

ومنفذ دخولها هنا هو قاعدة التسامح في أدلة السنن
وهي عند المتأخرين من المراجع مردودة غير منتهضة , وكذلك لا تنطبق على هذه الرواية لأن إسنادها ومصدرها أجنبي عن المذهب

لذلك قال الشيخ التستري ت 1415 هـ كما في كتابه "النجعة"  في شرح اللمعة ( وأما باقي صلوات .... فلا عبرة بلا فلا بد من كونها عامية .. إلى قوله .. وكذلك صلاة الرغائب .... لا عبرة بها لكون الأصل في روايتها العامة )
 3 \ 103                يقال إنتجعه أي طلب خيره وأصل النجعه البحث عن الكلأ .


ونص قول أهل العامة في هذه الصلاة كما قال النووي ت 676 هـ في شرحه على صحيح مسلم ( وإحتج به العلماء في كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل اللـه واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل بطلانها وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر ) 8 \ 20

فيا أخي المؤمن هذه هي نشأة هذه الصلاة وهذا هو تاريخها وهذه هي أسباب دخولها في المذهب وهذا هو أصلها وهذه هي أقوال العلماء في بدعيتها وخطأ من عكف عليها عند العامة قبل الخاصة
فهل نقبل لأنفسنا أن نقع في ما تبرأ منه أهله مما نقل إلينا عنهم ومن طريقهم وكتبهم
مع أن تراثنا فيه الكفاية والغنى وللـه الحمد

سددنا اللـه وإياكم لما فيه صلاح حالنا وفلاح مآلنا
والحمد للـه تعالى وحده والصلاة على من لا نبي بعده وعلى آله ما كتب الثواب ملك وعده

كتبه  / ابو ياسين الهندال – 14 جمادى الآخرة 1433 هـ  ,  6/5/2012 م