الجمعة، 2 ديسمبر 2011

عاشوراء .. عنوان للفرح والسرور أم للألم والفجيعة



بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلّ على محمد واله الطاهرين وسلم


من منابع الأسى ودواعي الأسف ملاحظة المحاولات المتتابعة في إلصاق عنوان الفرح والسرور والسعادة 
بيوم عاشوراء هذا يوم فاجعة آل البيت عليهم السلام التي لم يمر في التاريخ مثلها 


والمحزن أكثر أن هذا العنوان الذي يتم إحياؤه هو من أطلال النواصب الذين قتلوا أهل البيت عليهم السلام
وفعلوا فيهم من الفجائع والسبي والإهانة الأفاعيل والعجائب التي يندى لها جبين الأحرار 


قال إبن كثير في البداية والنهاية 
( وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون، ويتطيبون، ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيداً يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح، يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم‏.)‏ "مقتل الحسين أحداث سنة إحدى وستون"


وقال أيضا 
( فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وشجاعاً وسخياً ) 8 - 221


ولكن عناوين الفرح في عاشوراء في هذه الأيام أخذت عناوين أخرى
منها 
العنوان الأول : الفرح بنجاة موسى وهارون من كيد فرعون وجنوده
والصحيح أن هذا الفرح هو فرح لنجاة بني أسرائيل أسلاف اليهود وليس فرحا على نجاة موسى وهارون عليهما السلام
فإن الله تعالى قال في صريح الكتاب العزيز
( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ 35 وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ 36 قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ 37 ) القصص


وهذا صريح في أن موسى عليه السلام في مأمن من كيدهم وأنه ومن تبعه هم الغالبون
وحتى في الروايات كان الفرح على نجاة بني إسرائيل ففي البخاري 
 ( 1900 - عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ )
فالفرح بعنوان نجاة بني إسرائيل أسلاف اليهود لا بنجاة موسى وهارون اللذان آمنهما الله ووعدهما بالغلبة






العنوان الثاني : أن صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية
وهذا من الغرائب والعجائب لعدة أسباب 


أولها أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين الفرح فيه لأنه يكفر السنة الماضية فهو عنوان مبتدع


ثانيها صيام يوم عاشوراء لم يشتهر أنه يكفر السنة الماضية أو أن له ذاك الفضل والأجر
بدليل ترك الرسول صلوات الله عليه واله صيامه وتابعه بذلك الصحابة حيث تركوا صوم يوم عاشوراء


ففي صحيح البخاري ومسلم 
1127 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ دَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَتَغَدَّى فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ فَقَالَ أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِكَ  وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ تَرَكَهُ وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَا فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ "هذه رواية مسلم"


فلو كان هذا الفضل لعاشوراء ثابتا لما ترك بل لبقي الترغيب فيه لفضله
وكذلك عن عبد الله بن عمر أنه تركه ولم يكن يصومه لنفسه
ففي الصحيحين
1793 - عنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ  صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ 
وفي مسلم 1126


تركه الصحابة لأن الرسول تركه صلوات الله عليه واله
ففي صحيح مسلم 1128 - عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ 


فإن كان الحديث الوارد في فضل صيام عاشوراء موجودا ومرويا ومعروفا عند الصحابة لكانوا تمسكوا بالصيام لهذا الفضل
مثل شأن أيام شعبان والليالي البيض ومثل العشر الأوائل من ذي الحجة ويومي الخميس والإثنين وغيرها من الأيام التي كانوا يصومونها 


ولعل قائلا يقول قد وصلنا الحديث وهو حجة لنا أمام ترك الرسول صلوات الله عليه واله وترك الصحابة
فنقول إن حديث فضل صيام يوم عاشوراء وأنه يكفر السنة الماضية الأمر الذي يفرح البعض في عاشوراء حديث ضعيف وإن ورد في صحيح مسلم وغيره من الكتب


فإن الروايات تنحصر في عبد الله بن معبد الزماني عن الصحابي أبي قتادة الأنصاري
وقد قال البخاري فيه ( ولا يعرف سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة ) التاريخ الكبير 3 - 68 , الضعفاء للعقيلي 2 - 305 , الكامل في الضعفاء , 4 - 224 
, ميزان الإعتدال 2 - 507


لذلك تفعيل عنوان الفرح والسرور بيوم عاشوراء على تكفيره ذنوب السنة الماضية مما لا أصل له ولا اساس






ومن أغرب العناوين في الفرح يوم عاشوراء
كونه يوم فوز الحسين عليه السلام بالشهادة وأنه يوم الإستبشار
فيا للعجب العجاب وهذا الأمر إن دل فهو يدل على البعد عن الحسين وعن الجهل به وبما جرى عليه من المحنة العظيمة والمأساة المفجعة 


قال إبن عباس كما في مسند أحمد 
2166 -عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا 
قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا قَالَ دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ قَالَ عَمَّارٌ فَحَفِظْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدْنَاهُ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ
قال إبن كثير في تاريخه 8 - 202 إسناده قوي وقال وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9 - 196 رجال أحمد رجال الصحيح وقال الوادعي في صحيح دلائل النبوة - صحيح على شرط مسلم


فهذا حال رسول الله صلوات الله عليه واله في هذا اليوم والحديث المشهور من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل بي ( قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7 - 184 رجاله ثقات )


وفي مسند أحمد 
649 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ  سَارَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ صَاحِبَ مِطْهَرَتِهِ فَلَمَّا حَاذَى نِينَوَى وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صِفِّينَ فَنَادَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ قُلْتُ وَمَاذَا قَالَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَغْضَبَكَ أَحَدٌ مَا شَأْنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ قَالَ بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلُ فَحَدَّثَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ قَالَ فَقَالَ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ أَنْ فَاضَتَا 


قال أحمد شاكر 2-60 اسناد صحيح والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 7-238 والشوكاني في در السحابة 235 


فهل هذا يوم فرح وإستبشار أم يوم شدة وحزن تذرف فيه الدموع ويصاب المؤمن فيه بالكآبة والإنقباض
والروايات كثيرة في شدة هذا اليوم وفي بكاء الرسول صلوات الله عليه واله بسببه


لا لوم على من جهل بأحوال الحسين وفي فاجعة كربلاء وما جرى على أهل البيت عليهم السلام في ذلك من التقتيل والتنكيل والتعذيب والسبي والإهانة والفجيعة
ولكن في نفس الوقت لا يحق لمن يجهل هذه الأمور أن ينسب نفسه للحسين ومودته ولولايته ومشايعته وأن يطلب من الله العلي القدير أن يحشره معه يوم القيامه


فإن من المودة المفروضة علينا تجاه الحسين عليه السلام أن نواسيه وأن نهتم بأمره وبمصابه
لا أن نفرح بكون اليهود قد نجاهم الله من كيد فرعون
أو أن نفرح لكون يوم عاشوراء متروكٌ صيامه 
أو أن نفرح لأن الحسين عليه السلام شهد تقتيل أبناءه أمامه وفي حضنه وتقتيل إخوانه وأبناء عمومته وأصحابه وأتباعه وأنه تعرض للتعطيش 
ومن ثم قتل كما يقتل الكبش وتعرض جسده الشريف الطاهر للتنكيل والمثلة وطحنت أضلاعه بحوافر الخيول وسُبيت حرائره وبناته إلى الشام 


فشتان ما بين من يفرح لقتل الحسين سواءً من يفرح له أو تشفيا منه


وبين من مات كمدا وحزنا عليه 


قال الذهبي في ترجمة ام المؤمنين أم سلمة

أم المؤمنين السيدة المحجبة، الطاهرة، هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله
وكانت من أجمل النساء وأشرفهن نسبا.
وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين.....
عمرت حتى بلغها مقتل الحسين، الشهيد، فوجمت لذلك، وغشي عليها، وحزنت عليه كثيرا.
لم تلبث بعده إلا يسيرا، وانتقلت إلى الله. ) 2-202





أقول 
فإنا لله وإنا إليه راجعون 
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم